شاعرة وكاتبة جزائرية من مدينة المسيلة، تعمل أستاذة فنون تشكيلية في مدينتها، أصدرت حتى الآن مجموعة شعرية واحدة وعلى الطريق عدة مجموعات شعرية أخرى، تنشر نتاجها في عدة صحف ومجلات عربية، دخلنا إلى مدينتها الشعرية وهي مدينة مبنية على الفرح والعشق والحزن أيضا، واستطعنا أن نحصل منها على هذه الإجابات.
من هي جهاد الإنسانة، ومن هي جهاد الشاعرة، وماذا تريد؟
ربما يصعب تحديد ذلك، هي عوالم متشابكة الملامح، تحمل الكثير من مشاعر الحب والغربة والصراع، ليس صراع البقاء لكن صراع الوجود، صعب تحديد من الإنسانة والشاعرة ، من وجهة نظري لا يمكن الفصل بين الاثنين، بين الإنسانة والشاعرة، كلاهما امتداد للأخر أو تعبير عن الآخر أو الوجه الذي يبحث عن وجهه الآخر بين ثنايا الروح وفي مسام الإحساس والوجود، أنا حرف يبحث عن كلمة تحتويه بكل جنونه وهدوئه، كلمة تبحث عن مكانها بين جمل الكون الظلم وبين قصائد الحياة، اعشق الحب والحياة وأعيش ببساطة تهرب من تعقيدات الأيام، انا في رحلة دائمة للبحث عن ذاتي المفردة عن نافذة للحب والحرية أشرعها في وجه الظلام والظلم كي توصلني إلى حدود المجهول إلى حدود لم أصلها من قبل، تفجر معالم المجهول في نفسي وتكشف عن مواطن الصدق والبهاء، ربما ابحث عن شيء غير ممكن أو ممكن، ابحث عن عمر للحب يستوعب عمري الذي عشته وعمري الذي لم أعشه، لذا أتمسك بأي خيط من أمل يضمن أن استمر في الحلم والحياة ولو إلى حين، قوية جدا لكن قوتي تخفي ضعفي، أظل أصارع شيطان الشعر الساكن فيَّ كي اخلق منه ماردا لا يقهر لزمن متميز اقهر به زمني أعيش فيه للأبد كما يعيش هو في ذاتي وروحي للأبد.
ما أريده قد يكون بسيطا ومعقدا في نفس الوقت أريد أن أغير ربما ما أراه يستحق التغيير من منطق الخيال والواقع، ان اخلق عالم من الجمال الحقيقي بعيدا عن زيف الكلمات، أريد أن أصل إلى درجة الخلود والانعتاق من روحي ومن الظلم، قد يبدو الأمر مبالغا فيه وقد أوصف بالغرور لكنها رغبة ما فتئت تراودني وأنا لا أنكر أنني اعشق هذا التصور وهذه الفكرة برغم ان غيري قد يراه جنونا.
لأي شيء تكتبين، ولمن، وما جدوى الكتابة؟
إن أخبرتك قد تستغرب من إجابتي، الكتابة عندي طقس قدسي له فلسفته وتجلياته الخاصة والمختلفة، بالنسبة لي الكتابة هروب، حرية، حاجة، وإشباع لرغبات متنوعة وفعل الإبداع هو فعل ذاتي قد يقتصر على الفارد وتجربته الذاتية الخاصة به في الحب والحياة والواقع والحلم فقط دون غيره، لذا أنا اكتب لنفسي أولا تكتب الشاعرة للإنسانة قبل كل شيء، فالشاعرة تترجم خواص ومشاعر وأحاسيس وترانيم إيقاع حياة الإنسانة، لذلك تجد أن معظم كتاباتي غير منشورة لأنني احتفظ بها لنفسي، الشعر عندي أداة للبوح والانعتاق قبل البوح لغيري وأداة لإثبات الوجود، أنا اكتب إذا أنا موجودة، فعل الكتابة يجعلني ادخل دائرة الوجود والخلق دائرة المحسوبيات التي لا يمكن تجاهلها أبدا.
الشعر تجربة إنسانية بجميع المقاييس لها خصوصيتها التي تميزها قبل ان تكون تجربة إبداعية بحد ذاتها، لذلك استوحيت التعميم بطرحها وبتوجيهها إلى القارئ أو المتلقي مهما كان نوعه أو انتمائه أو مواصفاته فقد يكون هذا المتلقي متلقي عادي او متلقي نخبوي الأمر قد يختلف وقد لا يختلف.
عندما اكتب فانا لا احدد نوع المتلقي مسبقا فلكل قارئ خاصية تميزه عن غيره والكتابة كفعل إبداعي يسعى للمعرفة والظهور والتجديد وخلق نوع من التواصل، هذا التواصل هو نتيجة وخلاصة تجاربنا الإنسانية بمختلف درجاتها وتنوعاتها وتعقيداتها وبساطتها فللإنسان دوما بحاجة لهذا التواصل خاصة ونحن في زمن غابت فيه الكثير من المبادئ والأشياء الجميلة أمام سيطرة الماديات لذلك كان هذا التواصل استجابة لحاجات مختلفة تميزنا عن غيرنا من المخلوقات، هنا تتلخص مهمة المبدع في إتقان طرائق هذا التواصل وتوثيقها بشكل يضمن الاستمرار للإنسان وللشاعر معا وللتجربة الإبداعية فالكتابة امتداد للذات وللحياة وللتاريخ الإنساني.
الكتابة تشكل حاجة لدى الكاتب والقارئ معا، هذا التفاعل بين الحاجة والاستجابة هو الذي يلبي رغبة الاثنين باكتشاف الآخر ودخول عوالم جديدة مع اختلاف درجات هاته الحاجات واختلاف درجات الإشباع هذا الأمر هو الذي يخلق التوافق والتناغم بينهما ويكملهما بشكل مستمر ويجعل التجربة الإبداعية والنتاج الفكري ويستمران عبر الزمن.
عن جدوى الكتابة أستاذ بسام فهي أمر يبقى بحيث لا يمكن تحديد وحصر جدواها في نقطة معينة او جانب محدود من الفكر الإنساني والثقافة بالنسبة لي أنا أسعى دوما لتحقيق شيء ما عجز غيري عن تحقيقه وإيصال رسالة معينة على المستوى الإنساني أو الثقافي أو الفكري، الكتابة كانت دوما هاجس الكاتب والمبدع فهو يتوجه بمشاعره وروحه لتجسيد منجزه الإبداعي وهذا أمر قد يستنزف ما هو اكبر من التجربة وما هو اكبر من الألم وربما قد يسقط من ذهن المبدع تماما جدوى ما يكتب ولمن يكتب ولماذا يكتب فقد يكتب فقط من اجل الكتابة وقد يكتب لما هو اكبر وأعمق وأدق من الكتابة في حد ذاتها، الكتابة اكتشاف للذات مغامرة للغوص فيها ومعرفتها.
ما الذي دلك إلى طريق الأدب، والشعر تحديدا؟
الإحساس أو القطرة قطرة حب الأدب والشعر ربما الصدفة أو هو القدر، اعتقد أن للشعراء قدرا يشبه قدر الأنبياء في الحب والعذاب أو هي الرغبة في التحرر واكتشاف عوالم جديدة اجهلها، أنا تربيت ببيت بسيط يعشق العلم ، فتحت عينتيّ على مكتبة شقيقتي الكبرى مكتبة كانت بالنسبة لي ككنز على بابا أو نافذة الكون التي ألج منها إلى عالم السحر والدهشة أتذكر كيف كنت أتسلل خلسة واخذ أول كتاب تصله يدي لأفتحه وابدأ معه رحلة التوهج والذوبان بين الصفحات كان كل حرف يأسرني يشدني لدرجة الغرابة والانفصال عن العالم الخارجي، هذه الحالة من الذوبان في القراءة سببت لي الكثير من المشاكل مع أهلي فقد كانوا يضطرون إلى الصراخ كي أفيق من غيبوبة القراءة والأمر هنا لا يخلو من التأنيب والعقاب في بعض المرات.
بدأت أتعلق بالقراءة أكثر فأكثر لدرجة تصل الهوس كنت اقرأ أي شيء يقع بين يدي قرأت أول رواية في حياتي في سن الثالثة عشر ولا يمكن أن أنسى إحساسي بالمتعة وتأثري الكبير وأنا اقرأ كتاب (الجسد حقيبة سفر) للرائعة غادة السمان..
عن الشعر اكتشفته ببراءة طفلة الثالثة عشر كعادتي أمد يدي لكتبة شقيقتي علني اظفر بما يشبع نهمي الأدبي وهذه المرة شدني كتبا بلون وردي جميل وحجم صغير شدتني أوراقه المصفرة ورائحة الورق المميزة فللورق رائحة تشبه رائحة الشوق والحنين، كان ديوان نزار قباني (أنت لي) هذا الديوان كان أول ما قرأت من الشعر بوابتي الأولى التي دخلت منها عالم جنون الكلمات شدتني مقاطع الكلمات الصغيرة والجمل الموسيقية، كنت اقرأ القصائد وأعيد قراءتها مرات ومرات كنت لا افهم بعض العبارات ويصعب الأمر عليّ فأعيد قراءتها بمنطق الثالثة عشر أمر رائع أن تكتشف عالم الروعة والجنون، لم تكن تعرفه، جميل أن تتعرف على أسماء رائعة اكتشفت غادة السمان العاشقة واحمد مطر الثائر وادونيس المتجدد ودرويش المناضل وغيرهم.
ما هي الأشياء التي ساهمت في تكوين عالمك الشعري؟
الشعر متاهات النفس البشرية فلسفة المنطق ولا منطق، عالم الشعر لا يمكن حصره في جانب معين لأنه مجموعة من عوالم الطهارة والمجون الجنون والحكمة الموت والحياة الولادة والموت، الشعر يجمع تناقضنا وشتاتنا كبشر الشعر هو الإنسان بكل ما فيه من خير وشر من خضوع وتمرد من اختلاف وتوافق، وان أجبتك أستاذ بسام أقول الحزن للحزن هالة من عبق السماء وأطياف الطفولة، الحزن أكثر شيء ساهم في تكوين عالمي الشاعري أجمل ما كتبت كان في حالات حزني، الحزن سيدي يعيد صياغة العمر بأشكال جديدة أكثر جرأة ووضوحا ونضوجا، الشعر يضيف للعمر عمر آخر أكثر متعة وأكثر ألما انه ارث الأبدية الذي لا ينتهي وقد أخبرتك أن للشعراء قدرا يشبه الأنبياء في الحب الألم الحزن والابتلاء.
ـ كيف هي العلاقة بينك كأنثى وبين القصيدة؟
ذكرتني حين شبه نزار قباني القصيدة بالمرأة، بالنسبة لي القصيدة أنثى من نوع خاص، جامحة صعبة الترويض والأمر يختلف لأنه يصبح أكثر حميمية وأكثر عمقا وجاذبية بالنسبة للشاعرة أنا اختصر أنوثتي في قصيدة تعبر عن جمال الأنثى عن همومها عن حبها عشقها عن تمردها وخيبتها القصيدة أنثى بشكل أو بآخر أنثى ترفض الاستسلام والخضوع لأنها تختزل مشاعر الم الأنثى في تمردها وجموحها رغبتها في التحرر واثبات الذات في عالم لا يفكر إلا بعقلية ذكورية.
ماذا وراء كل نص تكتبينه، حب؟ خيبة؟ ام ماذا؟
كل ما ذكرته مع قد يكون حافزا للكتابة الكتابة انعكاس لواقعنا شئنا ذلك أم أبينا فوراء كل نص قصة من قصص الدنيا ما يعطيها صبغة إنسانية جميلة حب، خيبة، أمل، حزن أو أي شيء آخر أكثر شيء الحزن، الحزن يمدك بقوة غريبة قوة قاهرة تتحدى الصمت والألم أنا من الذين تستفزهم حالات الحزن انه يستفزني يشحذ همة الكتابة عندي يشكل يمنحني السعادة والرضا الأمر مذهل وقد يتعدى حدود العقل وما هو معقول لكنه وارد وموجود لذا أكون في أقصى حالات الإبداع والتجلي الشعري حين أكون حزينة صرت اعشق حالات الحزن لما فيها من جنون الإبداع.
أي نوع من أنواع الشعر تفضلين كتابته، ولماذا؟
الشعر الحر او شعر التفعيلة أو كما يسميه البعض الشعر النثري هو عشقي الأول والأخير، ولا تجد نفسي في الشعر العمودي بتاتا، وهنا لا يمكن إنكار قوة القصيدة المعمودية كإرث تاريخي وأدبي عربي ولا يمكن أيضا ان ننكر أنها أصل الأدب النثر كله، رغم ذلك أجد نفسي بعيدة عنها كثيرة، لما لا ادري، الأمر يتعلق بالحب والتعلق وبالتنوع وبالولع أيضا ، أنا أحببت القصيدة النثرية منذ صغري ولم استطع ان انفصل عن حبها أبدا هو قدري وأنا أحبه.
كيف يبدأ النص الشعري عندك ومتى ينتهي، أم لا ينتهي ويظل شاغرا؟
النص يشبه المخاض يصحبه الم ورغبة في البوح ومشاعر تتقاذفها المتناقضات من حلم ويأس، الم وفرح قوة وضعف، قد يبدأ النص من فكرة من موقف من جملة او حتى حرف ويظل هائما يستفز ذاكرتي ويعذب مخيلتي يظل يرسم نهاياته على حدود قلبي وعقلي حتى اعثر عليه في الأخير بفرحه من وجد حبيبه بعد البعاد قد يأخذ من النص ساعات وأياما وحتى شهور، هناك قصيدة أكملت شطرها الأخير بعد عشر سنوات للنص دائما نهايات مفتوحة لا تنتهي أبدا ليس لأنه يحتمل التغيير فقط بل لأنه قادر على تجديد نفسه بنفسه إنها القوة التي تمنح المرونة واستعداد التغيير والتجديد يظل النص شاغرا يبحث له عن نهاية وملامح تمنحه الحياة والتميز والقدرة على الصمود والبقاء.
ما هي مقومات القصيدة الناجحة بكل المقاييس؟
لا توجد مقاييس أو معايير ثابتة بصفة نهائية محدودة الأفق والمعالم ولا يمكننا بأي صفة من الصفات أن نصدر حكما وتحديدا نهائيا لمعايير الكتابة الناجحة لكن يبقى أهم شيء اللغة معيار اللغة والمعرفة هما الأفق الذي يمنحنا إياه النص الإبداعي او القصيدة تستطيع تشكيل بناءها اللغوي والشكلي الذي يعطيها صبغتها النهائية وملامح مرونتها وقابليتها للتجديد والاتساع لمضامين جديدة ومع هذا يبقى تحديد معايير القصيدة الناجحة نسبي لأن اللغة في ذاتها وحدة تقبل التغير والتجديد في نفس الوقت.
ماذا قدمت قصيدة النثر للشعر العربي؟
لا يمكن لأي احد أن ينكر ما وصلت إليه قصيدة النثر من قوة وانتشار أثبتت نفسها كنوع مميز قادر على التجديد والتجدد والتأقلم مع متغيرات العصر ولا يمكن ان ننكر دورها في تطور الشعر العربي، القصيدة النثرية أمدت الشعر العربي بروح جديدة ونظرة مستقبلية استشرفت مقومات تجديدية على مستوى الفكر المضمون والموضوع واللغة والمفردات جعلت الشعر أكثر متعة وجمالا وعطاءا واستيعابا لمجريات وإيقاع الحياة السريعة، قصيدة النثر استطاعت مجاراة إيقاع العصر وسرعة التطورات على جميع المستويات لم يعد الشعر محصورا في قصيدة غزل او مدح أو رثاء، الشعر أصبح اليوم أهم أدوات العصر فهو أداة للتغيير والنضال وقد سجلت فترة الثمانينات وأواخر التسعينات التطور الكبير للقصيدة النثرية وخروجها عن المفهوم النمطي للشعر عن الأدب والسياسة والفن ومنحه القدرة على التأقلم مع معطيات العصر والحياة الجديدة والغريبة، هنا اذكر تجربة محمود درويش في القصيدة النثرية الرائعة والرائدة ليس على مستوى تجربته كشاعر وكانسان فقط لكن كمناضل أيضا محمود قدم بشعره لفلسطين أكثر مما قدمه لها الثوار والسياسيون والحكام.
هل تركزين أنظارك على الشعر فقط، أم على أجناس أدبية أخرى؟
أنا عاشقة للشعر بامتياز ولا يمكنني أن أتطلع لغيره من الأجناس الأدبية على الأقل في الفترة الحالية رغم ان كثير من الانتقادات التي وجهت لي على أنني مميزة في النثر أكثر منه في الشعر، أنا اذكر أنني انتقدت نقدا قاسيا على إحدى القصائد على انها نص نثري أكثر منه شعري، ولا أنسى ناقدا حين أثنى على تجربتي النثرية ونصحني بالتوجه للنثر والى الرواية بالتحديد لكن الشعر يظل عشقي الأبدي، صحيح كتبت بعض القصص القصيرة لكنني دائما أعود للشعر بشوق عاشقة وروح متيمة بالنسبة للرواية لا أظن أنني سأتجه لها يوما لأنها تتطلب الوقت والتفرغ وهما الشيئان اللذان لا املكهما الآن، أنا أريد فوق 24 ساعة 24 ساعة أخرى.
ألا تعتقدين بأن هنالك قطيعة ثقافية بين المشرق العربي والمغرب العربي؟
هي لست قطيعة بالمعنى اللفظي للكلمة، لكن هي قطيعة تواصل وتبادل ثقافي بالدرجة الأولى، لا يمكن لأحد أن ينكر تفرد التجربة الثقافية المشرقية وفضلها وإسهامها في الثقافة العالمية ككل، وليس على التجربة العربية فقط كما لا يمكن لأحد ان ينكر ان هناك هوة كبيرة بين المشرق العربي والمغرب العربي ليس على مستوى الثقافة فقط ولكن على مستويات أخرى أكثر حساسية وخطوة ، المؤسف هنا ان صراعاتنا واختلافاتنا السياسية تنعكس على جوانب التواصل الثقافي بشكل يؤثر في تطورها ويجعل الهوة في ازدياد ببساطة لان الدوائر السياسية هي التي تتحكم في القرار الثقافي بحيث ينصب رجل السياسة نقسه وصيا على الثقافة مما يدخل الثقافة دائرة المزايدات والرهانات السياسية، مصيبة أخرى تضاف لمصائب العرب هو تسييس كل شيء من الحياة والثقافة لم يسلم شيء من التسييس حتى الحب والمشاعر.
النقد في الجزائر، هل يرسم للمبدع الوجهة الصحيحة، أم يشتت العمل الإبداعي؟
النقد في الجزائر في حالة تخبط مرحلة ضبابية الملامح ولا اعتقد انه يرسم الوجهة الصحيحة للمبدع الجزائري، ما نحتاجه هو النقد البناء الذي يثري التجربة الإبداعية وينميها أكثر نضوجا وعطاءا وليس النقد الذي يقضي على كل محالات التميز والتفرد، هناك فرق بين أن تبني وبين ان تهدم، للأسف البعض لا يفرق بينهما والا لكان الأمر أكثر بساطة وأكثر ايجابية، المشكلة أن الناقد يتعامل مع النص بنظرة سلطوية، هذه النظرة جعلت النقد سطحي بعيدا عن التحليل المنهجي الصحيح والأكاديمي، هناك من النقاد من يملك هاجس الشباب بحيث يتعامل مع كل الأقلام الشابة بقسوة اقرب للتجريح منها للنقد ومع ذلك لا أنكر وجود نقاد على مستوى عال من الاحترافية الحيادية والمنهجية التي نحتاجها فعلا لإرساء بناء إبداعي قوي.
هل من ثمة كتابات نقدية رافقت تجربتك الشعرية، وكيف تفاعلت معها؟
لا أنكر أنني أحب أن تكون نصوصي مثارا الجدل النقدي البناء يزيد من ترسيخ الكتابة الإبداعية ويرسم لها الطريق الصحيح ويصحح مسارها، نصوصي تعرضت للكثير من الانتقادات الايجابية والسلبية ولا أنكر أن بعض الانتقادات لم تضف لي شيئا على المستوى الإبداعي وفي نفس الوقت هناك انتقادات ساعدتني على تفادي بعض الأخطاء لو الهفوات فالإنسان مهما تعلم يبقى دائما بحاجة إلى تعلم المزيد كما ان بعض النقاد يسيئون أحيانا للنص بدافع النقد مما يعرض النص للظلم والإجحاف، نحن نحتاج الدقة والحيادية في النقد.
من له الفضل عليك إبداعيا؟
نزار قباني.. قد تستغرب أستاذ بسام لكنه الأول بلا منازع الذي جعلني اعشق الشعر وعلى يديه تعلمت أبجديات الكتابة الشعرية، كنت كلما قرأت له شيئا من أشعاره اكتشفت جانبا من جوانب عبقريته الشعرية، نزار قباني شاعر متفرد في تجربته الإبداعية استطاع مواكبة الزمن والمتغيرات بوتيرة إبداعية شبابية لم تعرف الشيخوخة أبدا، نزار بقي وفيا للشعر حتى آخر لحظة من حياته وديوان أبجدية الياسمين دليل على قلبه الذي ظل ينبض بالحب والشعر حتى آخر نفس من حياته أتمنى يوما أن امتلك ولو البعض من عبقريته الشعرية.
هل من أسماء شعرية نسائية جزائرية مؤثرة في الحركة الشعرية في الجزائر
هناك أسماء كثيرة استطاعت إثبات نفسها على الساحة الشعرية الجزائرية وحتى العربية رغم صعوبة التعامل واثبات الجدارة في عالم لا يعترف سوى بالإبداع الذكوري، عالم يرفض المشاركة وينظر لإبداع المرأة بنظرة استباقية جاحدة ظالمة في كثير من الأحيان ومع ذلك هناك أسماء استطاعت ترك بصمتها في عالم الشعر الجزائري اذكر منهن الرائعة أحلام مستغانمي لكنها اتجهت إلى الرواية وكذلك رجاء الصديق، نوارة لحرش، جنات بومنجل، صليحة نعيجة، خالدية ولد جب الله، حنين عمر، وغيرهن شاعرات فعلا استطعن الصمود أمام سيل الإبداع الذكوري واخذ مكانة وحصة من الشعر الجزائري.
لو طلبنا منك أن توجهي رسالة للشاعرات العربيات، ماذا تقولين لهن؟
ساحة الإبداع تسع الجميع وليست حكرا على المجتمع الذكوري، المرأة اليوم ليست نصف المجتمع فقط بل كله والشاعرات العربيات يمتلكن كل مقومات التميز والقوة ليست قوة منافسة فقط بل قوة التفوق، وأنا أرى اليوم أننا وصلنا فعلا إلى مكانة نستطيع من خلالها تغيير الكثير من المفاهيم الخاطئة وترسيخ شعرية أكثر وعيا ومعرفة بظروف الحياة والمجتمعات العربية ولا أنسى هنا أن أوجه لهن تحية إجلال وتقدير على ما يواجهنه من تحديات وعلى ما يبذلنه من جهد لإثبات الوجود والاستمرار.